حزين ولكن….!

كنت اليوم على موعد مع امتحانين نهائيين، شغلا وقتي طوال الأمس، حتى نمت متأخراً ولم أُنهِ ما علي، فعقدت النّية أن أستيقظ باكراً لأكمل ما تبقّى. وفعلاً كان هذا، استيقظتُ باكراً، وليتني ما فعلت، حتى لا أرى هذا الصباح. فصباح اليوم لم يكن كغيره من الصباحات. شعرت بهذا من الوهلة الأولى. 

خرجت إلى الشّرفة لأعرف ما السّر؛ فإذا العصافير لا تغرّد، وإذا الشمس باهتة رغم إشعاعها، والشّوارع من حولي حزينة، المُشاة على الطريق يحملون في داخلهم غصّة مؤلمة.

لم ألبث يسيراً حتى علمت ما الخبر، علمت الغصّة التي احتوتها نفوس أولئك المشاة، وأبصرتُ الحزن الذي اختَزَنته الشوارع في أزقتها. حتى أنّ الطيور قد حدّثتني عن حدادها وحزنها. 

إن نابلس كانت حزينة، بل كل فلسطين كانت حزينة، أجمع الشعب -وهو قلّما يُجمع على شيء- على حزنه؛ على الرغم من كثرة ما يفرّقه، فإنّ الحزن دائماً ما يوحده. وهيهات هيهات أن نتعلم ونستفيد من هذا، فنُجمع على قتال العدو المجرم، نُجمع على قتال من كان سبباً في حزننا ومآسينا، ولكن هيهات!

أؤكد لكم صادقاً، إن كل فلسطين كانت حزينة، بل حتى العالم كله كان حزيناً، فما من حر شريف لا يحزن على المظلوم. لكن، كل هذا الحزن كان في كفّ، وحزني كان في كفّ آخر بعيد، فقد كان حزنهم على نهاية حياة، وضياع نفس، وبطش ظالم، وإجرام محتل. 

وحزنت لهذا، وأنّى لمؤمن ألّا يحزن له، ولكن ما زاد حزني، وما كان أشد علي: ضياع نفس لم تؤمن، بذلت وما نالت، وكأنّها بطلة لم تتوّج بما يضمن لها الفوز العظيم. وعلى كل مسلم أن يحزن على نفس نفقت ولم تخرج من ظلمات الدنيا إلى نورها ومن ظلمات النار إلى نور الجنان.

نعم صحيح أنّ هذا أشد ما كان علي في هذا اليوم، وأكثر ما أحزنني، ولكن ما كان حزني سبباً لأنسى عقيدتي، فأدعو بما نهاني الله عنه، أو أعتدي على خالقي وربي. أنا لا أنسى أن الله يهدي من يشاء، ويرحم من يشاء ويعذب من يشاء، والأمر إليه أولاً وأخيراً، وما أنا على الله بأكرم من محمد ﷺ الذي ضاع منه عمه ولم يغني عنه من الله شيء، وما هي قدمت لقضيتنا بأكثر ما قدم أبو طالب للإسلام. وما هذا كلام من عندي، وما كانت الجنة لي حتى أوزعها على من أشاء، ولكنها مشيئة رب العباد، هكذا كتب وهكذا أخبر.

وليعذرني كل امرئٍ يرى أن الوقت غير مناسب لمثل هذا الحديث، بل هو مناسب جداً، حتى يتعلم الناس أولاً، ولتعلموا -ثانياً- أن عقيدتنا ليست زينة نظهرها متى شئنا ونخفيها متى ما نشاء، بل هي منهج نسلكه في كل وقت وآوان، فإذا قلتم في وقت الحزن، ليس هذا هو الوقت المناسب للحديث عن ديننا، وقلتم قبل أيام أن وقت الفرح ليس الوقت المناسب لنحدث الناس عن شرعنا، فأخبروني متى نبصر ديننا يا كرام؟ 

إن ديني علمني أن أكره الظلم والظالم وأبغضهما، وأن أنصر المظلوم، وأتضامن معه بكل ما أوتيت، وأن أدافع عنه من أي ديانة كان، وعلمني أيضاً أن أصدع بعقيدتي وألّا أخجل بها، وألّا أقدمها على شيء أبداً، فأنا أجمع بين هذين، وهذا أحب إليّ من الركون إلى الظالم أو من الخجل من ديني وإخفاء حقيقة ما جاء به. 

فاللهم إِنَّا إليك نبرأ ممن تألى على شرعك، ليرضي عاطفته وهواه، ونسألك سبحانك أن تجعلنا هداة مهديين، داعين إلى نورك العظيم. 

وما أحسن في هذا المقام، دعوة إمام أهل السنة، أحمد بن حنبل -عليه تلابيب الرحمة-: "اللَّهُمَّ أَمتنَا عَلَىٰ الإِسْلَامِ وَالسّنَّة."

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراجعة كتاب "طليعة الاستهداء بالقرآن" للشيخ بدر آل مرعي

مراجعة كتاب سبيل المصلحات - الشيخ أحمد السيد حفظه الله

ليل الأسرى بين الغفلة والنسيان

الشيخ خباب الحمد: علمٌ أسير

مراجعة كتاب قلق السعي إلى المكانة – آلان دو بوتون

فوق السماء وتحت النجوم

تدبرات إصلاحية في قصة نبي الله شعيب