كيف يكتشف الإنسان ذاته؟
يكتشف الإنسان ذاتَهُ بما يكتبه الآخرون عنها.
ومن هنا كانت قيمة الأديب، فالتعبير عن المكنونات فن لا يتقنه الجميع. وعلى الرغم من هذا، فإن تمثل ما يعبر عن الذات واجب حتمي على كل فرد لصحة نفسية سوية. فكم هوّن تمثل الأشعار عن النفس من أحمال، وكم خفف الأديب عن قارئه بكلمات.
عماد ذلك وتفسيره أن الإنسان مدني بطبعه. يصغر همه بمن يواسيه بقلبه. ويعظم غمه إذا انفرد فيه. وتعظم سعادته بمن شاركه إياها بالجَنان. ويخبو نورها بتخلف الوجدان.
فإذا تقرر لديك هذا، فحريٌ بك أن تعلم أن تلمس جوى القلب والكشف عن مخبوئه لهو أبلغ صور المؤازرة والتضافر. ذاك أن للنفس في البوح راحة. وما أجمل أن يكفيك الأديب بوح ما لا تستطيع!
إن الإنسان المعاصر يعيش بين معضلتين لا يقل سوء إحداهما عن الأخرى. الأولى: تدني المستوى الأدبي لدى الأدباء المعاصرين -إلا من رحم ربك-. فلا يجد الناظر من يعبر عن مشاعره الدفينة. فتبقى غارقة في قعر قلبه ذابلة مؤرقة. فلا هو باح بها واستراح، ولا كُفي مؤنتها من أديب أريب.
والأخرى: أن الإنسان المعاصر يجهل نفسه. فلا هو الذي يعرف داءه، ولا هو الذي يعرف دواءه. ولو عرف؛ لعني بها وعالجها كما يعالج جسده إذا مرض. فهو عازف عن القراءة أصلاً، فضلاً عن أن يقرأ رديء الأدب، فضلاً عن أن يصل إلى أجوده وأنفعه. فضلاً أن يشفي به أعطابه النفسية وعلاته الوجدانية.
وبلا تطويل ممل، أنقل لك ما ارتأيت في هاتين المعضلتين. فأما الأولى: فإني أوجه القارئ الكريم لكتاب الرحمن الرحيم، وأرشده أن يلحظ ببصيرته الثاقبة وعقله الوقاد ما سجله القرآن في الكشف عما يحيك في الصدور، وكل ما دق وثخُنَ من أسرار النفوس. فبه كشف الرحمٰن عما لا يعلمه إنسان.
وأما الثاني: فلا حيلة لي فيه، ولا دواء عندي له، سوى ما أقطع به نصف الطريق، ويبقى لشخصك الكريم أن يكمل ما بقي منه. فأنت من قال فيه أبو التراب رضي الله عنه:
دَواؤُكَ فيكَ وَما تُبصِرُ
وَدَاؤُكَ مِنكَ وَما تَشعُرُ
فإني حدثتك عن الداء وبقي لك أن تتوجه نحو الدواء. وأحيطك علماً بأن النفس كريمة. فلا تهنها ولا تتلفها. وانأَ بها عما يسوؤها. وباشر في أخذ ترياقها.

تعليقات
إرسال تعليق