كيف ربانا أحمد؟
لا يشك عاقل بأن شهر تشرين الأول الماضي هو شهرٌ استثنائي لكل الأحرار المؤمنين بعدالة قضية فلسطين، وتزداد هذه الاستثنائية في أعماق كل مسلم لا زال يحتفظ بهويته الإسلامية التي لم تتعكر بفعل اللوثات الجاهلية. ووصف هذا الشهر بأحداثه وأيامه بالاستثنائية أمر طريف يذكرني بمقال شهر تموز الماضي الذي تحدثنا فيه عن استثنائيات عديدة حول الكيان المزعوم وختمنا ذلك المقال بأنه وعلى الرغم من كل تلك الاستثنائيات التاريخية التي حازها ذلك الكيان: فإن "سنة الله الكونية خالدة ببطلان واضمحلال صنيع المفسدين... وسنته عز وجل باقية بأن لا ثبوت ولا ثمرة صالحة ولا نافعة في كلمة الكفر والعصيان".
فلا ينبغي للسان العبد أن يكف لهجا بحمد الله على أن كُتب لنا أن نرى ذلك الكيان على حقيقته: "وهماً من غبار"، وهذه التغيرات التي تصير في نفوس الناس وأفكارهم هي أعظم المكتسبات، فتغيير النفوس مؤذن بتغيير الواقع بإذن الله تعالى: ﴿...إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم...﴾ [الرعد: ١١]، واشتعال جذوة الباطل، واشتداد الغربلة والتمحيص، وظهور الحق ظهوراً لا لبس فيه؛ كل ذلك يخبرنا بأننا مقبلون على مرحلة جديدة وسنة أخرى من سنن الله الكونية تتحقق أمام العيون، وقصارى ما يتمناه العبد: أن ينجو من نير الفتن، وأن يثبت مع المؤمنين، وألا يكون ممن أخرج الله أضغانهم في هذه المحن.
ولأن هذا الشهر مميز واستثنائي فارتأيت أن يكون مقاله كذلك،
مع تصاعد أعداد شهداء أهلنا في قطاع غزة الحبيب، الشهداء الذين اختارهم الله عز وجل ليكونوا في جواره ولينالوا شرف الشهادة، التي هي أسمى الشهادات، فهي شهادة الله على صحة دعوى إيمان العبد. يروج مع هذا التصاعد في الأعداد خطاب من المهم الاعتناء به، ألا وهو بأن هؤلاء الشهداء ليسوا مجرد أرقام، بل لكل شهيد حكاية وحلم يريد تحقيقه، وأحباب سيفقدونه، وحياة تركها خلفه.
وأنا في سياق هذا الحديث وعلى الصعيد الشخصي، فأعتقد أن الشهيد يبقى بعد رحيله، بقاءً طويلاً، يتناسب مع إخلاصه ومقدار تشريده بأعداء الله. ولا أقصد أن جسمه يبقى، فالجسم يفنى ويخلعه الشهيد بمجرد ارتقائه، ولكن أقصد روح ذلك الشهيد، فهي التي تبقى ويمتد آثرها وتأثيرها على الناس. وكأنه زهرة تتفتح باستشهاده؛ فيفوح عبيرها بين الخلق، ولربما يكون ذلك شيئاً من تجليات ما حكاه الله سبحانه وتعالى لنا عن حياة الشهيد: ﴿ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون﴾ [البقرة: ١٥٤]، وإذا علمت أن الشهيد حي ثم استحضرت قول الله: ﴿وما يستوي الأحياء ولا الأموات...﴾ [فاطر: ٢٢]، علمت أن معنى الحياة هنا أبعد من المقياس المادي الذي يضعه الناس، وما أجمل كلمة السعدي في تفسيره حين قال:
"كما أنه من المتقرِّر عندكم الذي لا يَقْبَلُ الشكَّ أنَّ هذه المذكورات لا تتساوى؛ فكذلك فَلْتَعْلَموا أنَّ عدمَ تساوي المتضادَّاتِ المعنويَّةِ أولى وأولى؛ فلا يستوي المؤمنُ والكافرُ، ولا المهتدي والضالُّ، ولا العالم والجاهل، ولا أصحابُ الجنة وأصحابُ النار، ولا أحياءُ القلوبِ وأمواتُها."
فمدار الحياة والموت، تلك المضغة الصغيرة، التي متى ما صلحت صلح الجسد كله، ومتى ما فسدت فسد الجسد كله. تتمة لهذا الحديث، سأحدثكم اليوم عن أثر شهيدٍ واحد من قوافل الشهداء الكثيرة التي مضت في سبيل زوال الطغيان، سأحدثكم في مقال شهر تشرين الأول عن أثر عمي الحبيب الشهيد أحمد حسن مرشود، والذي كان ارتقاؤه في مثل هذا الشهر الطيب المبارك. وعودة إلى الاستثنائية التي سنكتب بها هذا المقال، فسيكون مقالاً مشتركاً بيني وبين إخواني، ليرى الناس أثر الشهيد الممتد على أسرة واحدة، أو ربما عائلة كاملة، أو مخيم كبير، أو جامعة بأسرها ومدينة بناسها.
طرحت على نفسي وإخواني سؤالاً مطولاً، مفاده: كيف رباكم أحمد الشهيد؟ فجاءت الإجابات كما يلي:
كتبت شروق: عمي احمد الحبيب الحاضر الغائب، سبحان الله كيف يمكن أن يعيش إنسان في قلوبنا و عقولنا لأعوام طويلة و هو لا يعيش بيننا بجسده.
حينما استشهد عمي كنت في الصف الأول و عمري سبع سنوات، أتذكر ثلاثة مواقف معه، أشبه ما تكون بالخيالات إلا أنها كافية لأشعر بحنين دائم إليه. لطالما تأملت كيف ستكون الحياة لو كان أحمد بيننا، كان هذا الشعور قويا عندما انتقلت من السعودية إلى فلسطين للدراسة، حينها كنت وحيدة تقريبا، كانت فكرة العم الصغير فكرة لطيفة تروق لي، وتجعلني أظن بأننا سنكون أصدقاء مقربين، لا مجرد عم وابنة أخيه.
أذكر تماما أول مرة سألني شخص عن اسمي ثم تفاجأ، وقال "شو بقرب لك احمد مرشود؟" فأجبته: "عمي"، بكل فخر و سعادة، لم أكن أظن قبلها، أن يسألني عنه أحد في حياتي، حدثني ذلك الشخص بكلام جميل جدا عن عمي، بالرغم من أنه لم يره الا ثلاث مرات، وقد كانت الثالثة حين استشهد، فكان ممن حمل نعشه في الجنازة.
بعد هذا الموقف، وخلال حياتي في نابلس أصبح هذا الموقف يتكرر كثيراً مع أناس كثير، جميعهم أجمعوا على أنه إنسان غير عادي، عمي كان الصغير المحبوب المدلل، كان ذلك واضحا في كلام أعمامي وعماتي وأبي.
أما أبي فدائما ما كانت تكشف كلماته ودموعه عن مدى حبه وقربه من أخيه الصغير. يبدو أنهما لم يكونا يفترقان. يذكرانني كثيرا بعلي وحسن من التغريبة الفلسطينية.
عمي بالنسبة لي هو رائحة المسك أو الياسمين التي عطرت غرفته بعد استشهاده بطريقة عجيبة لمدة طويلة حدثنا عنها الكثير من الناس. عمي هو ذلك الانسان غير العادي الذي لطالما وصفوه بأنه "مش ابن دنيا"، عمي هو الذي أخبرنا عنه الناس أموراً رائعة، عن شجاعته و فصاحته. نحمد الله أننا في الجنة سنلتقي بكل من نحبهم وسنجلس معهم ونتحدث ونتسامر ونخبرهم بالكثير والكثير ويخبروننا بالكثير والكثير. اهـ
كتبت علا: أعتقد أن الأثر الذي تركه أحمد، بدأ في ذلك اليوم الذين عاد به والدي من عمله في المستشفى الإسلامي في الأردن منهارًا باكيًا. فلملم أغراضه سريعًا وأخذ هويته الخضراء وتصريحه الذي يعبر به الجسر، وخرج مسافرًا إلى فلسطين، إلى أرض الحبيب. كنا حينها أنا وأختي وحيدتين في المنزل، سألناه: بابا عمي استشهد؟ فأجاب والدموع تختنق في حلقه: اه يا بابا، وخرج مسرعًا.
قبل هذا المشهد بساعة أو أقل رن جرس الهاتف الأرضي لترد أمي، فتجيبها المتصلة على الطرف الآخر: "أحمد استشهد، افتحي على الجزيرة بسرعة"، أذكر جيداً تلك الدهشة التي علت وجه والدتي، فتحت التلفاز على عجل، ورأيناه جثة تحترق على قارعة الطريق؛ نتيجة تفجير عدو جبان (اغتيال)، لا أذكر تفاصيل سوى البكاء والدهشة، سمعتهم يقولون: أحمد استشهد، عمي أحمد استشهد ولكنني لم أكن أعي ما الذي تعنيه هذه الكلمة بعد.
على مدار سنوات الطفولة تعمق معنى الشهادة لدي كأي طفل فلسطيني، ولكن في كل مرة كانت تذكر بها كلمة (شهيد) كان عمي أحمد يتصدر ذلك المشهد، كان والدي يزودنا باستمرار بأحدث ألبومات النشيد الإسلامي الوطني لميس شلش وعبد الفتاح عوينات وفرقة الروابي وأطياف الاستشهاد وغيرهم الكثير، استطاعت كل هذه الأناشيد وغيرها من الأيام والكتب والأحداث أن تربي طفلة تعرف الكثير عن هذه القضية، ليس مجرد تاريخ جامد، إنما هي قصص ومشاعر، حزن وألم، صمود وقوة.
في سن الإعدادية والثانوية بدأ يزداد الفضول عن هذا البطل، فصرت أبحث عن اسمه في محركات البحث على الانترنت وأجد كلامًا قليلًا، إلا أنه عظيم في وصف هذا الشهيد الرقيق، وأكثرت السؤال عنه لوالدي وأعمامي وعماتي، كانوا مصدري الوحيد فلا أعرف غيرهم ممن يعرفه لاسيما وأننا عشنا في الغربة. وهنا كان الحديث في إطار العائلة ومواقفها يشي بأن هذا الشخص مختلف ولا يشبه محيطه أبدًا.
ثم انتقلت إلى المرحلة الجامعية، وهنا بدأت بالتعرف عليه أكثر، فانتقالي إلى نابلس حيث كان يعيش وحيث ارتقى، جعلني ألتقي بالكثير ممن عرفه، منهم من قضى معه سنوات في الأسر، وآخرين من رفاق دربه في الجهاد، ومنهم من لم يلتقيه سوى مرة واحدة قد تكون يوم استشهاده ولكنه يروي عن ذلك اللقاء الكثير والكثير.
كنتُ دائماً ما أحاول الوصول لأي معلومة عنه لتروي عطشي الدائم في متابعة سيرته النبيلة الطيبة، والتي لم نعلم عنها -نحن المقربون- أي شيء! في إحدى المرات جاءت إحدى القنوات الفضائية إلى منزل جدي في مخيم بلاطة وجمعت العائلة مُحاولةً تصوير فيلم وثائقي عنه، عمي الشهيد القسامي أحمد مرشود. لم يكن في حوزتهم أي معلومة تصلح لأن تكون فيلماً وثائقياً! كل ما كانوا يعرفونه عن ابنهم أنه بار ولطيف ومؤدب وخلوق وملتزم ومحبوب من كل الناس، وبعد محاولات عديدة يائسة، خرج الطاقم ولم يعد لا بفيلم ولا بغيره!
سمعتُ مراراً أن علاقة ما، قد جمعته بالشهيد ساهر التمام، ولكن لم أعرف تماماً ماهية تلك العلاقة. حتى كنت في أحد الأيام أتصفح منصة تويتر كعادتي في هذا الوقت المتأخر من الليل، وإذا بأحد الأشخاص أعاد تغريد قصة، لأصل منها إلى طرف خيط، أرسم من خلاله سيناريو مُتخيل لحياة عمي القائد القسامي الشهيد الذي اغتيل بتفخيخ سيارته لأسباب لا نعرفها! كنت سعيدة جداً بهذه المعلومة الصغيرة فهي تكفيني كما لو أن عمي أحمد أخبرني بها بنفسه! أنقل لكم هذه التغريدات كما وردت:
"الاستشهادي الأول ساهر حمدالله التمام منفذ عملية مطعم فيلج-إن في مستوطنة ميحولا. كان مقرر في كتائب القسام أن ينفذ العملية الأسير أشرف الواوي ، لكن أثناء انتظار المقاومين في وادي الباذان أمر الانطلاق بالسيارة المفخخة نحو مكان العملية ألح الشهيد ساهر التمام على أن يقوم هو بالتنفيذ فسمح له قائد العملية، بعد العملية مباشر اتصل عبدالحكيم حنيني بوكالة رويترز وأعلن تبني كتائب القسام للعملية وقال أن المنفذ هو أشرف الواوي قبل أن يعلم بأن من نفذ العملية هو الشهيد ساهر التمام مما تسبب في اعتقال أشرف الواوي. قبل التحاق ساهر بكتائب القسام نفذ عملية فردية بسيارته قَتل فيها جنديان وحاول أخذ سلاحهما ، بسبب هذه العملية وافق الشهيد أحمد مرشود على التحاقه بالقسام بعد أن كان يرفض دائماً بسبب ظنه بأن ساهر الابن المدلل لإحدى أغنى عوائل نابلس غير قادر على أداء مهام جهادية."
عند اعتقالي، لم يفارق طيفه مخيلتي فهو من سار على هذه الطريق قبلي، ومن اليوم ما أنا إلا طيف من أثره. وهو الذي لطالما كانت هذه العبارة التي اقتبستها من مسلسل التغريبة الفلسطينية وسمعتها مرارًا تذكرني به وحده فقط "أحمد مرشود":
"وقريباً يموت آخر الشهود المجهولين، آخر الرواة المنسيين، أولئك الذين عرفوه أيام شبابه جواداً برياً لم يسرج بغير الريح" اهـ
كتب أحمد: كان لعمي الحبيب الأثر الكبير على حياتي مع أنني لم ألتقيه، اذ استشهد وأنا بالثانية من عمري، إلا أن سيرته العظيمة وسمعته الطيبة هي أكثر ما أثر في قلبي، وحوله من عمي إلى شيئاً أكبر وأقرب من ذلك. عمي الذي ما ذكرت اسمه أمام أحد يعرفه إلا وانهال علي بالكلام الطيب والمديح له. كانوا يقولون لي أنت تشبه عمك كثيراً "نفس الوجه" وهذا كان أكثر ما يسعدني.
كان الكثير منهم يصفوه بالحنية والطيبة وبالغالب هما الصفتان الغالبتان في شخصيته، وكانوا يقولون لي عن حبه للوطن والجهاد وعن تضحيته وشجاعته وذكائه. رحم الله عمي صاحب السمعة الحسنة والصورة الطيبة في قلوبنا. اهـ
كتبت أنا: بحمد ربي وفضله فقد نشأت في أسرة ملتزمة، حريصة على غرس بذور الإسلام في أبنائها، وامتن الله علي في الثانوية العامة وفي ذروة ما يعبرون عنه بفترة المراهقة بصحبة ماجدة قربتني من الله، وغرست في نفسي الكثير من معالم الطريق، ونلت من المربين الأكارم الكثير من العناية والتوجيه. إلا أني أعتقد أن خلف هذه المكونات الواضحة لهويتي مكوناتٍ أعمق، وأبعد بوناً.
منها: عمي وحبيبي الشهيد. أعترف بإني ولدت بعد استشهاده بشهور قليلة، فلم أنل شرف أن يحملني بين يديه، عدا عن أن أتأثر به تأثر الشخص الذي تعامل معه وخالطه وعاشره، إلا أن أحمد الشهيد ترك فيمن حوله من الناس أثراً لا تزيله الأيام ولا تمحوه سنوات التقادم، ترك أثراً في كل شخصٍ صحبه، وفي كل حبيب من أقاربه، وكل من عرفه، وما أكثر الأيام التي رحت أتجول بها بحثاً عن تلك الأثار وأملا في معرفته أكثر، سؤالاً لأحبابه، وتأملاً في صوره وأيامه؛ فصرت أتلمس تلك الأثار وأجمعها، فأركمها في قلبي، لتشع نوراً: ﴿...والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم...﴾ [الحديد: ١٩].
أقر لكم بأنه قد يصعب علي بأن أجيب على السؤال الذي طرحته على نفسي وإخواني، لأن الأثر الذي تركه المرتحل، أعمق غوراً من أن يعبر عنه القلم، أو يحكيه اللسان، لا جرم أن ما في نفسي له يحمل الكثير من المعاني الوجدانية التي يذوقها القلب ولا تعرفها الكلمات. إلا أنني سأحدثكم عن شيء بسيط، وطرف قليل مما في القلب، يتجلى بعض ذلك في معنى أحبه في عمي.
وهو ما لمسته من إخلاص وتجرده في عمله وجهاده، ويتجلى هذا المعنى إذا حاولت أن تبحث عن تفاصيل عمله ودوره، ستجد أن الكثير من الأبواب مغلقة، والكثير من التفاصيل مجهولة، كان يتخفى بعمله، ويحرص على ألا يظهر لأقرب الناس إليه، حتى أنه روي عن أهله أنهم صُدموا لما اعتقله الاحتلال في المرة الأولى! والحق أن هذا معلم مميز وصفة لازمة لأبناء الكتائب، تجدهم أحرص الناس على ألا يشوب عملهم ذرة رياء، وأعتقد أن هذا جزء من رمزيات اللثام الذي يزين وجوههم البهية، فاللثام ليس مجرد قطعة قماش يضعها البطل لأجل احتياطات أمنية، بل هو كذلك وسيلة لتقديم عمل مخلَص لرب البريات؛ فالله أغنى الشركاء عن الشرك، ولا يقبل إلا العمل الخالص.
وأنا أسعد الناس في ذلك اليوم الممطر، حين ركبت سيارة أجرة، فعرف السائق بأن لي صلة بأحمد لشبهٍ رأه بين وبين الشهيد. وأخي أحمد أشبه به مني. أسأل الله عز وجل أن تشابه قلوبنا قلبه كما شابه خَلقنا خَلقه. اهـ
كتب إياس: عمي أحمد الحبيب طيب الذكر، لا أملك الكثير لأحكيه وأجيب به، إلا أنني سمعت عنه الكثير، وسُئلت عن العلاقة التي تربطني به مرات ومرات، فما أكاد أجيب بأنه عمي، إلا وتنهمر عبارات المقابل بالثناء والمديح، سواء ممن عرفه في السجن أو ممن عرفه خارج السجن. جمعيهم اتفقوا على أنه ذكي، قوي الإيمان، هادئ، صاحب روح خفيفة تحب الدعابة. أتمنى أن أكون مثله في صفاته الطيبة. اهـ
إلى هنا أصل معكم إلى نهاية هذه الشهادات التي حاولت أن أنقل لكم فيها شيئاً من حياة الشهيد بعد ارتقائه، وتذكروا بأنه وبرغم كل محاولات إحياء سير الشهداء فإن من لا نعرفهم من الشهداء كثيرون. ومما يستأنس به في هذا المقام ما ذكره ابن كثير في تاريخه، من أن السائب بن الأقرع قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه يبشره بنصر المسلمين في معركة نهاوند، فسأله عمر عن قتلى المسلمين، فعدَّ فلاناً وفلاناً من أعيان الناس وأشرافهم. ثم قال لعمر: وآخرون من أفناد الناس لا يعرفهم أمير المؤمنين، فجعل عمر يبكي ويقول: وما ضرهم ألا يعرفهم أمير المؤمنين؟ لكن الله يعرفهم، وقد أكرمهم بالشهادة، وما يصنعون بمعرفة عمر؟
وتذكروا: ﴿...ورسلا لم نقصصهم...﴾ [النساء: ١٦٤]، فمن لم تذكره صحف التاريخ لن يضره شيءٌ ما دام خُلد ذكره في اللوح المحفوظ، ومن ذكره التاريخ فماذا ينفعه إذا لم يرفع عمله إلى رب التاريخ؟
إهداء: إلى مربينا الأول، والدي الطبيب القريب، طيب الذكر، حسن الخلق، شقيق أحمد وحبيبه.
شارك في كتابته: شروق، وعلا، وأحمد، وعبد الرحمن، وإياس.


تعليقات
إرسال تعليق